Thursday 4 March 2010

SUBJEK AL-TAWHID

الدين والعقل

هل يخاطب الدين والعقل؟ وهل يستغنى بالعقل عن الدين؟
إن الدين الإسلامى جاء يخاطب الإنسان باعتباره صاحب عقل وذا بصيره تفكر وتعى القضايا الدينية وتفهمها.
            وما أكثر الآيات القرآنية التى أثنت على الانسان صاحب العقل الرصين واللب السليم اقرأ إن شئت قول الله تعالى (( إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب . الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار))
            وكم خاطب المولى عزوجل الانسان لكونه عاقلا وقال (وما يعقلها إلا العالمون). وما أعظم الثناء والمدح لأصحاب العقول المفكرة والمتأملة والمتدبرة في آيات الله في هذا الكون كله من أرضه وسمائه وإنسه وجنه وسائر مخلوقاته.
            فقال الله تعالى : (( كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب)) (( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون)) إلى أن قال : ((ومن آياته بربكم البرق خوفا وطمعا وينزل من السماء ماء فيحيى به الأرض بعد موتها إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون)).
            كما أثنى على الناس الذين يستعملون عقولهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ويتأملون في صنعه العجيب ليصلوا إلى معرفته ويعرفوا عظمته في خلقه. (( بديع السموات والأرض)) ، (( صنع الله الذى اتقن كل شيء)).
            فإنه يذم ويمقت كل الذين لا يستعملون عقولهم ، بل يجعلهم في مرتبة أدنى من رتبة الحيوانات ذوات الأربع . إقرأ إنشئت قول الله تعالى : (( ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم أذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك الغافلون)).
            حدود العقل ومجاله: إذا كانت الحواس تقوم بإدراك المحوسات من الأشياء الجزئية وتعطى عتها مدركات جزئية متفرقة متجزأة لا يجمعها قانون ولاتدخل تحت قاعدة : فإن العقل يقوم بتجميع هذه المحسوات المتفرقة ويعطيها معنى واحدا يطلك عليها . وأول من قال بهذه الوظيفة للعقل من الفلاسفة للقدماء هو ((سقراط)) الفيلسوف اليوناني القديم وتبعه أفلاطون وأرسطو في أن العقل هو الذي يدرك المعانى الكلية للأشياء ويولد من المحسونات المفاهيم العامة لها.
            والإسلام يسلم بأن وظيفة الحواس هي المدركات الحسية، وأن وظيفة العقل المدركات المعنوية أو المفاهيم الكلية لحقائق الأشياء.       ولذلك نجد أن الإسلام يعمل على تنمية  العقل وطاقاته لكى يقوم بوظيفته وهي استخراج المفاهيم والمعانى الكلية من الأشياء الحسبة.إلا أن الإسلام جعل دائرة العقل لا تتخطى المفاهيم الكلية لظواهر الطبيعة وعتاصرها.كما أنه يدرك بعض الحقائق الدينية في هذا الوجود بلاتفصيل وإنما يدرك هذه الأمور إدراكا بالأوصاف لها لا إدراك كنهها وجوهرها وهقائقها.
            هذا هو مجال العقل ووظيفته في الحياة وفي مظاهرها الوجودية.
            ولكن العقل رغم ما وصل إليه من إدراك ورغم تقدير الدين له ورغم إدراكه لبعض الحقائق الدينية العليا، فإنه ليعجز كل العجز عن إدراك بعض التفريقات والتفصيلات التى جاء بها كما أنه لا يستطيع أن يدرك شيأ من الأمور السمعية أى التى آمنا بها عن طريق السماع وهي المتعلقة بالحياة الأخرى . أو هى الأمور الغيبية التي غابت عن حواسنا وعن عقولنا وعن المشاهدة والواقع، وهى التى يسمسها الفلاسفة ما وراء الطبعيعة أو الميتافيزيقيا، أو ما تسمى (( بعلم الموجود حقا )) وسماها الفيلسوف (( بكل )) فس كتابه (( المدينة في انجلترا )) بعلم ما بعد الطبيعة ، وقال (( إن كل باحث في علم ما بعد الطبيعة إنما يبحث أعمال عقله. ولم يكن من وراء ذلك البحث  استكشلف في أى فرع من فروع العلم)).
            وبحث  ((الفيلسوف)) إدورد هرتمان)) في مسائل هذا العلم ، وسماهل (( ما لا يحس )) . وكان (( كانت )) يقول  (( إن عقل الإنسان مركب تركيبا يؤسف له ، فإنه مع شغفه بالبحث في مسائل لا تدركها حواسنا ، لم يستطيع أن يكتشف معمياتها
)).
            وكانت الحكمة المأثورة عند قدماء المصربين فيما يختص بما وراء الطبيعة قولهم : (( محال على من يغنى أن يزيل النقاب الذى تنقب به من لا يغنى )).
            ويقول الدكتور أحمد أمين : (( إن العقل البشري بذل جهده في رفع النقاب  ، وحاول معرفة هذا السر المحتجب بحمية وغيره ، ولكن بلا فائدة )).
            وهذه المغيبات التى لم يكشف عنها العقل الإنسانى منذ المهد إلى وقتنا هذا فيها مشكلات يحاول العقل حل ألغازها والوصول إلى أسرارها ولكن من أين له ذلك الطريق ؟ وإن شيأ من لا شئ لا يتصروه العقل ، بل إنه يحكم باستحالته..
            أم خلقه من مادة كلنت موجودة ؟ فإذن المادة قدمية ، قدم الله نفسه ، وهناك اذن : قديمان : الله والمادة ، والله لا نهائى الذات ومقتضى هذا أن لا يخرج عن ذاته مثقال ذرة فى الأرض ولا فى السماء ، إنه الأول والآخر والظاهر والباطن ، وهو على كل شئ قدير )).
            ويخاطب (( شلى )) الله – سبحانه وتعال – فيقول : (( إن أصفر ورقة من أوراق الأشجار التى يلاعبها النسيم ليست إلا بضعة منك (أى جزء من أجزائك )..كلا ، ولا أحقر دورة تسكن القبور وتثمن من لحوم الموتى أقل مشاركة لك في حياتك السرمدية )).
            ويقول : (( إن هذا الروح التى توجد في كل المكان ، بها يحيى كل موجود وهى هو )).
أحق هذا ؟ أم أن ذات الله لا تتضمن أرضا ولا سماء ، ولا برا ، ولا بحرا ، فهى أذن محدودة لأنها ما عدا هذا الكون.
            ثم أن الله تعالى . هل يوجد في مكان معين أم لا يوجد في مكان ؟..وإذا كان الله عالما : أهو عالم بما كان على أنه كان ؟ وبما سيكون على أنه سيكون؟ وبما هو كائن ؟ أم أنه عالم بما كان وبما هو كائن على أنه سيكون؟ أم أنه عالم بما هو كائن وبما سيكون على أنه كان؟
            هل يسيطر الزمن على علم الله ؟ أم أن الله فوق الزمان ؟ وأنه فى حاضر لا يزول ؟ والله عالم : أهو عالم بذاته فحسب لأن علمه فى شرفة وسموه وكماله إنما يتعلق بما يناسبه من شرف وكمال وسمو . وليس ذلك إلا ذاته – سبحانه وتعالى.
            أم أن علمه متعلق بذاته وبالكليات ؟ . ولا شأن له بالجزئيات : لأنها تافهة حقيرة متغيرة لا قيمة لها ، والله منزه عن أن يتعلق علمه بالتافة والحقير؟
            أم أن علمه متعلق بذاته وبالكليات وبالجزئيات على الرغم مما في الجزئيات من نقص وتفاهه ؟ والله قادر على كل شئ ؟ أقادر على الجمع بين الضدين مثلا ؟ أقادر على أن يجعل الثلاثة أكسر من التسعة ؟ والجزء أكبر من الكل ؟ أم أن هناك المستحيل بانسبة إلى قدرة الله؟
            وإذا كان هناك المستحيل بانسبة إلى قدرته ، أفيتصف إذن بالكمال؟ أم أن قدرته لا تتعلق بالمستحيل-كما يقول-علماء الكلام؟..
            والله مريد : أيريد الخير والشر ؟ فلم الحساب والعقاب والمثوبه إذن ؟ وكيف يريد الشر ؟ مع أن طبيعته خير محض ؟ كيف يريد الشر مع أن إرادة الشر في بنى البشر تعتبر نقصا؟
            وإذا لم يكن الشر : فهل يحدث الشر فى هذا العالم رغما عنه ؟ أم أنه يحدث وهو عنه راض وإن لم يكن له مريدا؟
            أيرضى الله عن الشر أم يكرهه؟
            إن رضاءه بالشر يتنافى مع كماله.
            وإذا كان يكره الشر : فكيف يوجد مع كراهيته؟
            أيحب الله أن يعصى ؟ أم يعصى رغما عنه ؟
            وكيف يلقى الله بالمعرفة إلى رسله ؟ وبأى لغة يخاطبهم ؟ وكيف ينزل (( الملك )) على رسول الله ويراه ويسمعه في حين أن من كانوا معه لا يرونه ولا يسمعونه؟
            
Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...