Wednesday 12 October 2011

FIQH USRAH-KULIAH 8-

الحقوق المترتبة على عقد الزواج

قد رتب الشارع على عقد الزواج حقوقا للزوجين مشتركة وحقوقا للزوج على زوجته وحقوقا للزوجة على زوجها. وبمراعاة هذه الحقوق والقيام بتلك الواجبات وقد أرشد الى ذلك قول الله تعالى في كتابه العزيز "ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف". فان المعنى أن للنساء حقوقا بمقتضى الزوجية يقوم بها الرجال مثل ما للرجال عليهن من واجبات. للزوجة على زوجها حقوقا يمكن أن تتنوع الى نوعين: حقوق مالية مثل المهر والنفقة وحقوق غير مالية كالعدل بين الزوجين اذا كان الزوج متزوجا بأكثر من زوجة واحدة.

المبحث الأول:

حقوق الزوجة على الزوج  - حقوق المادية - المهر

معناه: المال الذي يجب على الرجل للمرأة بسبب عقد الزواج عليها أوبسبب وطئه لها أو اسم للمال الذي تستحقه الزوجة على زوجها بالعقد عليها أو بالدخول بها دخولا حقيقيا. بمعنى ان المهر حق للزوجة على زوجها وأن حكم المهر هو الوجوب على الزوج للزوجة.

وأن هذا الوجوب منشؤه أحد أمرين:

الأول: العقد المجرد اذا كان صحيحاالا أن وجوب المهر بالعقد وجوب غير مستقر على أنه عرضة للسقوط جميعه أو بعضه وهو النصف ما لم يتأكد العقد بواحد من مؤكدات المهر التى سيأتي بيانها.

2) وثانيها الدخول الحقيقي
 وقد عرف بعض الفقهاء المهر بأنه المال الذي يجب للمرأة على الرجل في مقابل ملكه الاستمتاع بها بسبب عقد الزواج. فالمهر في نظر هؤلاء شرع عوضا عن ملك الزوج الاستمتاع بزوجته شرعا.

ويعرف فريق آخر المهر بأنه ما يقدمه الزوج لزوجته على أنه هدية لازمة وعطاء واجب على الزوج لزوجته. فهؤلاء في نظرهم المهر شرع لابانة شرف عقد الزواج واظهار خطره فهو هدية لازمة وعطاء مقرر فليس عوضا عن ملك الزوج الاستمتاع بزوجته ويستندون الى أن الله سماه صدقة ونحلة: فقال تعالى "وآتو النسآء صدقاتهن نحلة" أي عطاء فالمهر عندهم شرع هدية لازمة لتقريب القلوب، ولذا منع النبي (ص) علي بن أبي طالب من الدخول على زوجته فاطمة بنت رسول الله (ص) حتى يعطيها شيئا من المهر.

الدليل على وجوب المهر
قوله تعالى"وآتو النساء صدقاتهن نحلة" وقوله "فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة"
فدلت الآيتان على أن المهر واجب بايجاب الشرع.

وقول الرسول (ص) "التمس ولو خاتما من حديد" وأحاديث أخرى كلها صحيحة كما ثبت أنه (ص) لم يخل زواجا من مهر، فلو كان غير واجب لتركه ولو مرة ليدل على عدم وجوبه.

حكمه
 المهر واجب على الزوج بمجرد تمام عقد الزوج سواء سمى في العقد أو لم يسم، حتى اتفق على نفيه أو عدم تسميته فالاتفاق باطل والمهر لازم لقوله تعالى "وآتو النسآء صدقاتهن نحلة"

ليس المهر وان كان واجبا في الزواج ركنا فيه ولا شرطا من شروطه وانما هو واجب على أنه حكم من أحكام الزواج المترتبة عليه بعد تمامه وأثر من آثاره التى تثبت بعده. ومن هنا يجب المهر بالزواج
وان لم يسم وينص عليه في العقد أصلا، فمن تزوج امرأة دون أن يسمى لها مهرا عند العقد، أو سمي في العقد ما لا يصلح مهرا أو حصل اتفاق بين الزوجين على أن يتزوجا بغير مهر،
أو اشترط الزوجان عدم المهر، فان العقد في كل تلك الصور صحيح والشرط باطل ويجب للزوجة في كل هذه الصور مهر المثل.
 دل على ذلك قوله "ولا جناح عليكم ان طلقتم النسآء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة" –البقرة 226،  فحيث نفي الله الاثم والجناح عمن يطلق زوجته قبل الدخول بها بعد عقد لم يسم ولم يفرض فيه المهر ومن المقرر أن الطلاق لا يكون الا بعد زواج صحيح شرعا، دل ذلك على أن عقد الزواج يصح بدون تسمية المهر فيه، فانه لو كان المهر ركنا أو شرطا لصحته لما صح بدون تسميته.

ما يصلح أن يكون مهرا
1- كل ما كان مالا متقوما فى حق مسلم من العين والدَّين الحال والمؤجل والمنفعة التى تقوم بمال/المنفعة تقابل بالمال سواء كانت منفعة الزوج أو غيره.

كل مال متقوم معلوم وكل منفعة تقابل بالمال تصلح أن تكون مهرا وعلى هذا فالفضة والذهب سواء كانا من النقدين أم كان حليا والعقار والعروض والكيلات والموزونات والحيوان وورق النقد كل ذلك يصلح أن يكون مهرا متى كان معلوما. فان لم يكن مالا متقوما له قيمة كاليسير من الطعام وحبة القمح أو لم يكن مالا أصلا أو كان مالا ولكنه غير متقوم في حق المسلم كالخمر والخنزير أو كان مالا متقوما ولكنه مجهول جهالة فاحشة تفضي الى النزاع لا يصلح أن يكون مالا. والجهالة الفاحشة ما كان النوع فيها مجهولا كما اذا تزوج امرأة وجعل مهرها دابة أو ثوبا أو بيتا غير أن يبين نوع الثوب أو الحيوان أو مكان البيت.
أما الجهالة اليسيرة فما كان النوع فيها معلوما ولكن الوصف غير معلوم كمن يتزوج امرأة على عشرين اردبا من القمح فان التسمية صحيحة والجهالة انما هي في الوصف وهي جهالة مغتفرة فتكون التسمية صحيحة والجهالة يسيرة ويجب الوسط أو قيمته من غير اجحاف بالزوجة أو بالزوج.

وتصلح المنافع أن تكون مهرا كسكنى الدار أو ركوب السيارة أو زراعة الأرض مدة معلومة.
أما المنفعة التى لا يستحق في مقابلها مال فلا تصلح مهرا كمن يتزوج امرأة ويجعل مهرها أن يطلق ضرتها أو لا يتزوج عليها أو أن لا يخرجها من بلدها فهذه لا تصلح مهرا لأنها لا تقدر بمال وان كانت منفعة للزوجة.

مقدار المهر

اتفق الفقهاء على أنه ليس للمهر حد أعلى يقف الناس عنده ولا يصح أن يتجاوزه اذ لم يرد نص لا في الكتاب ولا في السنة يقدر حا أعلى للمهر. أما قوله تعالى "وآتيتم احداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا" النسآء 20. فالمراد به المال الكثيرلاتحديد المهر بهذا المقدار.

قال معاذ (ر) القنطار ألف ومئتان أوقية

ولقد روى أن عمر بن الخطاب (ر) رأى بعض الناس يتغالون في المهور، فأراد أن يضع حدا أعلى لا يجاوزه أحد، ليكون الزواج سهل المئونة، فلما هم بأن يدعو الناس الى ذلك خطأته امرأة، وقالت له: ليس لك ذلك يا أمير المؤمنين، وتلت قوله تعالى "وان أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم احداهن قنطارا،  فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا واثما مبينا" فسكت عمر وقال: أخطأ عمر وأصابت امرأة"

والمستحب عدم المغالات المهورلما روي عائشة عن النبى (ص) أنه قال :"أعظم النساء بركة أيسرهن مؤنة"

واختلف الفقهاء فى أقل المهر
1-             فذهب الشافعية والحنابلة الى أنه لا حد لأقله فكل ما يتمول يصح أن يكون مهرا. فان عقد بما لا يتمول ولا يقابل فسدت التسمية ووجب المهر المثل كأن يكون المهر نواه أو حبة من قمح.

واستدلوا بأن النبي (ص) قال للذي زوجه"هل عندك من شىء تصدقها؟ قال لا أجد, قال: "التمس ولو خاتما من حديد"

2- وذهب الحنفية والمالكية الى أن أقله ما تقطع به يد السارق, وهو عند الحنفية عشرة دراهم وعند المالكية ربع دينار أو ثلاثة دراهم, لأن هذا حد القلة في الأموال في نظر الشارع

تعجيل المهر أو تأجيله
لا يشترط تعجيل المهر بل يجوز أن يعجل الزوج مهر زوجته كله ويجوز أن يؤجله كله الى أجل قريب أو بعيد. و يجوز أن يعجل بعضه ويؤجل بعضه الآخر

- فان لم يتفقا  على شئ أصلا سوى تحديد قدر المهر كان الحكم لعرف بلدهما عند الحنفية ويكون معجلا عند المالكية والحنا بلة.

- وان أجله ولم يذكر للأجل مدة فذهب البعض الحنفية الى أنه يبطل الأجل ويكون المهر حالا وذهب الشافعية وبعض الحنابلة الى أن المهر يفسد بذلك ولها مهر المثل. وأما اذا كان في مدة الأجل جهالة فاحشة كقدوم زيد أو مجىء المطر فان التسمية تبطل ولها مهر مثلها عند بعض الفقهاء ويقال بعضهم تبطل الأجل ويكون المهر حالا.
- واذا كان المهر معجلا كان للزوجة الحق في حبس نفسها عن زوجها حتى تقبض معجل صداقها

- اما اذا كان المهر مؤجلا فلا حق لها في حبس نفسها عن زوجها لأنها رضيت بالتأجيل فسقط حقها في حبس نفسها

أنواع المهر
1- المهر المسمى: ما اتفق عليه فى العقد أو فرض للزوجة بعده بالتراضى بعد العقد الذي خلا من تسمية المهر.

2- المهر المثل : مهر امرأة تماثل الزوجة عادة.
- ويقدر مهر المثل بالنظرلأقرباء المرأة بالنسب من أسرة أبيها.
فيراعي في المرأة المطلوب مهر مثلها أقرب من تنتسب اليه من نساء العصبة.وأقربهن أخت لابوين ثم لأب ثم بنات أخ ثم عمات كما يراعي كونهن مساويات لها في الصفات. فان فقد نساء العصبة أو لم ينكحن اعتبر مهر الأقرب فالأقرب من أرحامها وهن اقرباؤها من جهة أمها كأم وجدة وخالة وغير ذلك. فان فقدت نسآء القريبات من جهة الأم اعتبر مثلها من الآجنبيات في بلدها ممن يساويها في الصفات.

- المماثلة تكون فى الصفات والصلاح والأدب والعقل والعلم والجمال واليسار والدين والتقوى

الأحوال التى يجب فيها المهر المثل
1-              أن يكون العقد صحيحا وقد خلا من تسمية المهر كما اذا قال الرجل زوجينى بنتك، فقال الولي: قبلت، دون أن يذكر مهرا ودون أن يتفقا على شيء بعد العقد. ومثل هذا العقد يسمى عقد التفويض، لأن المرأة فوضت تقدير مهرها الى الزواج.

2-              أن يكون هناك اتفاق على نفي المهر
اذا تزوج على أن لا مهر لها كأن يقول لها "تزوجتك على أن لا مهر لك" فهذا الاتفاق يكون باطلا ولا يعمل به ويصح العقد ويجب لها المهر المثل. لأن المهر حكم من أحكام العقد يترتب عليه بحكم الشرع فلا يملك أحد اخلاء الزواج عنه.

3-              أن يكون هناك تسمية ولكنها غير صحيحة
بأن كان المسمى لا يصلح أن يكون مهرا، اما لكون المسمى ليس مالا أصلا كالميتة وحبة القمح ونحو ذلك مما لا ينتفع به أو ينتفع به ولكنه انتفاع لا يعتد به عند الناس.

4-              اذا كان الزواج فاسدا ودخل الرجل  بها دخولا حقيقيا
كمن تزويج امرأة يجهل أنها أخته من الرضاعة أو خلا العقد من الولي، وانما وجب المهر المثل لأن الدخول بالمرأة لا يخلو من مهر أو حد، وقد سقط الحد لشبهة فوجب المهر، وهو مهر المثل.

5-              فسخ المهر بسبب الخلاف بين الزوجين في تسميته ومقداره
فاذا اختلف الزوج والزوجة في تسمية المهر فقالت الزوجة سميت لي مهرا في العقد، وقال الزوج لم أسم مهرا، حلفت الزوجة على ما تدعي وحلف الزوج على ما يدعي  ثم يفسخ المهر ويجب مهر المثل كما اذا اختلف في دقدار المهر فقالت الزوجة أنه الآف وقال الزوج أنه خمسمئة.

الأحوال التى يجب فيها المهر المسمى
1-              اذا كان العقد صحيحا
2-              وكانت التسمية صحيحة

*لا تجب تسمية المهر فى العقد لأنه حكم من أحكام الزواج وأثر من آثاره وليس شرطا من شروط الصحة

متى يجب نصف المهر

يستقر على الزوج نصف المهر في حالة واحدة
1-              اذا طلقها بعد عقد صحيح, سمى المهر فيه تسمية صحيحة وكان هذا الطلاق قبل أن يدخل بها ودليل ذلك "وان طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم" ومعنى "من قبل أن تسموهن" أى من قبل أن يدخلوا بهن ومعنى "فرضتم" أى سميتم لهن مهرا.

 متى يجب كل المهر
1-              اذا دخل الزوج بزوجته دخولا حقيقيا – دل على ذلك "فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة" والمراد بالاستمتاع هنا الدخول والتلذذ بالجماع والمراد بالأجور المهور وسمي المهر أجرا لأنه استحق بمقابل المنفعة وهي ما ذكر من التلذذ والاستمتاع.
2-              موت أحد الزوجين سواء حصل الموت قبل الدخول أو بعده ودليل ذلك اجماع الصحابة.

سقوط المهر كله
اذا فارقت الزوجة زوجها قبل الدخول بها وكان هذا الفراق ناشئا بسبب منها كما اذا ارتدت أو فسخ النكاح بعيب فيها لأنها هي السبب في هذه الفرقة, وهي المختارة لها, فكأنها أتلفت المعوض قبل التسليم فسقط العوض. المعوض هنا تمكينها زوجها من نفسها والعوض هو المهر.

ملكية المهر وتصرف الزوجة في مهرها

قدمنا أنه متى تم عقد الزواج صحيحا، يكون المهر حق خالص للزوجة من غير مشاركة أحد فيه ولا من غيرهم، بمعنى المهر ملك الزوجة وحدها ولا حق لأحد فيه من اوليائها ولها تمام الحرية في أن تتصرف فيه. قال الله تعالى " فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا واثما مبينا" وقال تعالى" فان طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا"






No comments:

Post a Comment

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...