Monday 10 October 2011

PENGAJARAN TEKS AL-QURAN-1-

أولاً: سورة الإسراء 22-38

أصول تنظيم المجتمع المسلم

قال الله تعالى: "لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا (22) وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا (25) وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27) وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا (28) وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (29) إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (30) وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً (31) وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلاً (32) وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً (33) وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً (34) وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (35) وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً (36) وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً (37) كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً (38)" سورة الإسراء: الآيات 22 إلى 38

سنتناول دراسة هذه الآيات من خلال النقاط الآتية:
أولاً: المفردات اللغوية
ثانياً: الإعراب
ثالثاً: البلاغة
رابعاً: التفسير والبيان
خامساً: الأحكام



أولاً: المفردات اللغوية:

الكلمة
المعنى
لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا (22)
لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ
الخطاب للرسول  صلى الله عليه وسلم والمراد به أمته.
فَتَقْعُدَ
أي فتعجز عن تحصيل الخيرات.
مَذْمُوماً
يذمك الملائكة والمؤمنون.
مَخْذُولًا
غير منصور من الله تعالى.
وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23)
وَقَضى رَبُّكَ
حكم وأمر أمرا مقطوعا به.
أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ
حصر العبادة بنفسه تعالى لأن غاية التعظيم لا يستحقها إلا لمن له غاية العظمة وغاية الإنعام
وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً
أي وبأن تحسنوا لهما إحسانا، بأن تبروهما، أو وأحسنوا بالوالدين إحسانا لأنهما السبب الظاهر للوجود والمعيشة.
أُفٍّ
اسم فعل يدل على التضجر والاستثقال، أي تبا وقبحا.
وَلا تَنْهَرْهُما
تزجرهما، والنهر: الزجر بغلظة.
قَوْلًا كَرِيماً
جميلا لينا.
وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24)
جَناحَ الذُّلِّ
المراد به التواضع والتذلل، أو حسن الرعاية والعناية.
مِنَ الرَّحْمَةِ
أي لرقتك عليهما ورحمتك بهما.
ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً
ارحمهما كما رحماني حين رَبَّيانِي صَغِيراً.
رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا (25)
رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ
من إضمار البر والعقوق.
إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ
طائعين للّه.
لِلْأَوَّابِينَ
للتوابين.
غَفُوراً
لما صدر منهم في حق الوالدين.
وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26)
وَآتِ
أعط
ذَا الْقُرْبى
القرابة.
حَقَّهُ
من البر والصلة.
وَالْمِسْكِينَ
الفقير.
وَابْنَ السَّبِيلِ
المسافر الذي انقطع عن أهله.
وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً
التبذير: إنفاق المال في غير موضعه الموافق للشرع والحكمة.
إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27)
إِخْوانَ الشَّياطِينِ
إخوانهم في الطريقة وهي التبذير.
كَفُوراً
شديد الكفر.
وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا (28)
وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ
أي وإن أعرضت عن المذكورين من ذي القربى والمسكين وابن السبيل، حياء من الرد، فلم تعطهم.
ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها
أي لطلب رزق تنتظره يأتيك، فتعطيهم منه.
قَوْلًا مَيْسُوراً
لينا سهلا، بأن تعدهم بالإعطاء عند مجيء الرزق.
وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (29)
وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ
أي لا تمسكها عن الإنفاق تماما، والمغلولة: المقيدة بالغل: وهو القيد الذي يوضع في اليدين والعنق، وهو تمثيل للشح وكناية عن البخل.
وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ
أي تتوسع في الإنفاق، وهو تمثيل وكناية لمنع الإسراف.
فَتَقْعُدَ مَلُوماً
فتصير ملوما عند اللّه وعند الناس بالبخل، فهو راجع للأول: البخل.
مَحْسُوراً
نادما، أو منقطعا لا شيء عندك، وهو راجع للثاني: الإسراف.
إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (30)
إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ
يوسعه لمن يشاء.
وَيَقْدِرُ
يضيقه لمن يشاء.
إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً
عالما بسرهم وعلنهم، فيرزقهم على حسب مصالحهم.
وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً (31)
وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ:
بالوأد
خَشْيَةَ إِمْلاقٍ
خوف الفقر
نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ
قدّم هنا رزق الأبناء على رزق الآباء لأن قتل الأولاد كان خشية وقوع الفقر بسببهم، فقدم رزقهم.
خِطْأً:
إثما كَبِيراً عظيما.
وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلاً (32)
فاحِشَةً:
فعلة قبيحة ظاهرة القبح
وَساءَ سَبِيلًا:
بئس طريقا هو، لأنه اعتداء على الأعراض، يؤدي إلى اختلاط الأنساب وقطعها
وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً (33)
لِوَلِيِّهِ:
لوارثه
سُلْطاناً:
تسلطا على القاتل بمؤاخذته على القتل، بإشراف الحاكم وحكمه، أو بالقصاص من القاتل
فَلا يُسْرِفْ
يتجاوز الحد المشروع فِي الْقَتْلِ بأن يقتل غير القاتل، أو بغير ما قتل به، أو أكثر من شخص، منعا لعادة الأخذ بالثأر في الجاهلية.
وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً (34)
بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ:
أي الطريق التي هي أحسن
وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ:
عهد اللّه أي تكاليفه، أو عهد الناس الذي تبرمونه معهم إبراما موثقا مؤكدا
وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (35)
وَأَوْفُوا الْكَيْلَ
أتموه
بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ
الميزان السوي أو العدل
تَأْوِيلًا
مآلا أو عاقبة
وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً (36)
وَلا تَقْفُ
لا تتبع ما لا تعلم
وَالْفُؤادَ
القلب
مَسْؤُلًا
صاحبه: ماذا فعل به؟ فكل هذه الأعضاء يسأل صاحبها عما فعل بها.
وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً (37)
مَرَحاً
فخرا وتكبرا
لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ
تثقبها حتى تبلغ آخرها بكبرك
وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولًا
أي لا تبلغ هذا المبلغ، فكيف تختال؟!
كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً (38)
كُلُّ ذلِكَ
المذكور من قوله: وَقَضى رَبُّكَ إلى هذا الموضع







ثانياً: الإعراب:
§       أُفٍّ: اسم من أسماء الأفعال، ويأتي بمعنى التضجر والملل.
§       ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ: ابْتِغاءَ: مصدر منصوب في موضع الحال، أي: وإما تعرضن عنهم مبتغيا رحمة من ربك ترجوها.

ثالثاً: البلاغة:
ü   "وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ" استعارة، شبّه الذل بطائر ذي جناح، ثم حذف الطائر، ورمز له بشيء من لوازمه، وهو الجناح، فهذه استعارة في الشفقة والرحمة بهما والتذلل لهما تذلل الرعية للأمير والخدم للسادة.
ü   "وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ، وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ" استعارة، مثّل للبخيل الذي حبس يده عن العطاء بمن شدّت يده إلى عنقه، بحيث لا يستطيع مدّها، وشبّه السرف ببسط الكف، حيث لا تمسك شيئا.
ü   "يَبْسُطُ وَيَقْدِرُ" بينهما طباق.

رابعاً: التفسير والبيان:
"لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا (22) يخاطب اللّه تعالى الرسول r لبيان حقيقة الإيمان وهو التوحيد ونفي الشركاء، والمراد بالخطاب: المكلفون من الأمة، ومضمونه: لا تجعل أيها الإنسان المكلف شريكا مع اللّه تعالى في ألوهيته وعبادته، وإنما أفرد له الألوهية والربوبية، فلا إله غيره، ولا رب سواه، ولا معبود بحق إلا هو، فإن جعلت مع اللّه إلها آخر، صرت ملوما على إشراكك به، مخذولا لا ينصرك ربك، بل يتركك إلى من عبدته معه، وهو لا يملك ضرا ولا نفعا. والخلاصة: إن أول دعامة للمجتمع المسلم: توحيد اللّه وعدم الشرك به.
وبعد بيان الركن الأعظم في العقيدة والإيمان وهو التوحيد، ذكر تعالى شعائر الإيمان ومظاهره، وهي ما يأتي:
أولا: عبادة اللّه تعالى وحده: وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ أي أمر اللّه تعالى ألا تعبدوا غيره، وهذا يتضمن أمرين: الاشتغال بعبادة اللّه تعالى، والتحرز عن عبادة غير اللّه تعالى لأن العبادة نهاية التعظيم، ولا يستحق ذلك غير اللّه عز وجل لأنه مصدر النعم والإنعام من إعطاء الوجود والحياة والقدرة والعقل.
ثانيا: الإحسان إلى الوالدين: وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً قرن اللّه في كثير من الآيات الأمر بعبادته بالأمر ببر الوالدين والإحسان لهما إحسانا تاما في المعاملة لأنهما بعد اللّه الذي هو السبب الحقيقي لوجود الإنسان، والمعنى: وأمر بالوالدين إحسانا، أو وأن تحسنوا إلى الوالدين وتبروهما؛ وذلك لشفقتهما على الولد، وإنعامهما عليه، وبذل أقصى الجهد في تربيته وصونه حتى يصبح رجلا سويا، فكان من الوفاء والمروءة رد شيء من الجميل والمعروف لهما، إما بالمعاملة الحسنة والأخلاق المرضية، وإما بالإمداد المادي إذا كانا بحاجة وكان الولد موسرا، لذا أبان تعالى بعض وجوه الإحسان إليهما، فقال: إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ .. أي إذا بلغ الوالدان أو أحدهما سن الكبر، وصارا عندك في آخر العمر بحال من الضعف والعجز، كما كنت عندهما في بدء حياتك، فعليك اتباع الواجبات الخمسة الآتية:
1. فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ أي لا تسمعهما قولا سيئا فيه أدنى تبرّم، حتى ولا التأفف وهو التضجر والتألم الذي هو أدنى مراتب القول السيء، وذلك في أي حال، ولا سيما حال الضعف والكبر والعجز عن الكسب، لأن الحاجة إلى الإحسان حينئذ أشد وأولى وألزم، لذا خص حالة الكبر لأنها الحالة التي يحتاجان فيها إلى البر، للضعف والكبر.
2. وَلا تَنْهَرْهُما أي ولا يصدر منك إليهما فعل قبيح.
3. وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً أي وقل لهما قولا لينا طيبا حسنا مقرونا بالتوقير والتعظيم والحياء والأدب الجم
4. وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ أي تواضع لهما بفعلك، والمقصود منه المبالغة في التواضع.
5. وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً أي اطلب لهما الرحمة من اللّه في حال كبرهما وعند وفاتهما.
ثالثاً: الإحسان إلى ذوي القربى والمساكين وابن السبيل ومنع التبذير: وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ لما ذكر تعالى بر الوالدين، عطف بذكر الإحسان إلى القرابة وصلة الأرحام، والمعنى: وأعط أيها الإنسان المكلف القريب والمسكين والمسافر المنقطع في الطريق إلى بلده حقه، من صلة الرحم والود، والزيارة وحسن المعاشرة، والنفقة إن كان محتاجا إليها، وإعانة المسكين ذي الحاجة، ومساعدة ابن السبيل بالمال الذي يكفيه زاده وراحلته إلى أن يبلغ مقصده.
وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً: لما أمر اللّه تعالى بالإنفاق والبذل نهى عن الإسراف وبيّن سياسة الإنفاق، أي لا تنفق المال إلا باعتدال وفي غير معصية وللمستحقين، بالوسط الذي لا إسراف فيه ولا تبذير، والوسطية والاعتدال هي سياسة الإسلام المالية والاجتماعية والدينية.
ثم نبّه اللّه تعالى على قبح التبذير بإضافته إلى أفعال الشياطين، فقال: إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ أي إن المبذرين المنفقين أموالهم في معاصي اللّه يشبهون في هذا الفعل القبيح الشياطين، فهم قرناء الشياطين في الدنيا والآخرة، وأشباههم في ذلك في الصفة والفعل. وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً أي وكان الشيطان لنعمة ربه جحودا لأنه أنكر نعمة اللّه عليه، ولم يعمل بطاعته، بل أقبل على معصيته ومخالفته، فاستعمل نفسه في المعاصي والإفساد في الأرض، وإضلال الناس.
رابعاً- الوعد الجميل بالعطاء أو القول الميسور، والقصد في الإنفاق: وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ أي إن أعرضت عن ذي القربى والمسكين وابن السبيل حياء من التصريح بالرد بسبب الفقر والقلة، بعد أن سألوك، فقل لهم قولا سهلا لطيفا لينا، وعدهم وعدا بسهولة ولين بالصلة والعطاء إذا جاء رزق اللّه، واعتذر بعذر مقبول.
وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ .. لما أمر اللّه تعالى بالإنفاق ذكر هنا أدب الإنفاق، والاقتصاد في العيش، بذم البخل، والنهي عن السرف، أي لا تمسك عن الإنفاق بحيث تبخل على نفسك وأهلك في وجوه صلة الرحم وسبيل الخيرات، ولا تسرف ولا تتوسع في الإنفاق توسعا مفرطا، فتعطي فوق طاقتك، وتنفق أكثر من دخلك، بحيث لا يبقى في يدك شيء.
والخلاصة: إن أصول الإنفاق هو الاقتصاد في العيش، والتوسط في الإنفاق، دون بخل ولا سرف، فالبخل إفراط في الإمساك، والتبذير إفراط في الإنفاق، وهما مذمومان، وخير الأمور أوساطها، والفضيلة وسط بين رذيلتين.
ثم أبان اللّه تعالى ربط الرزق بمشيئته وإرادته، ليدرك الناس أن تضييق الرزق أحيانا على بعضهم ليس لسوء حالهم عند اللّه، فقال: إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ أي إن ربك أيها الرسول هو الرزاق، القابض الباسط، المتصرف في خلقه بما يشاء، فيغني من يشاء، ويفقر من يشاء، لما له في ذلك من الحكمة، لذا قال: إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً أي أنه تعالى عالم بأن مصلحة كل إنسان في أن لا يعطيه إلا ذلك القدر، فهو خبير بصير بمن يستحق الغنى ويستحق الفقر، فالتفاوت في أرزاق العباد ليس لأجل البخل، بل لأجل رعاية المصالح.
خامساً: تحريم وأد البنات، فبعد أن بيّن تعالى كيفية البر بالوالدين، بيّن كيفية البر بالأولاد. والمعنى: ولا تقتلوا بناتكم خوف الفقر أو العار، فنحن نرزقهم لا أنتم، ونرزقكم أيضا، إن قتلهم خوف الفقر أو العار كان إثما وذنبا عظيما، وخطأ جسيما.
سادساً: تحريم الزنى: وبعد أن أمر اللّه تعالى بالأشياء الخمسة المتقدمة، أتبعه بالنهي عن ثلاثة أشياء هي الزنى والقتل وأكل مال اليتيم، وبدأ بتحريم الزنى، لأنه نوع من الإسراف، عقب النهي عن قتل الأولاد الذي هو مظهر من مظاهر البخل، فقال سبحانه: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى ، إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلًا أي لا تقتربوا من الزنى، ولا من أسبابه ودواعيه لأن تعاطي الأسباب مؤد إليه، والزنى فعلة فاحشة شديدة القبح، وذنب عظيم، وساء طريقا ومسلكا لأن فيه هتك الأعراض، واختلاط الأنساب، واقتحام الحرمات، ثم إنه تعالى علل هذا النهي بكونه فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلًا.
وقد وصف اللّه تعالى الزنى بصفات ثلاث هي:
-       الفاحشة: فلاشتماله على فساد الأنساب الموجبة لخراب العالم.
-       المقت: فلأن الزانية تصير ممقوتة مكروهة.
-       وأما أنه ساء سبيلا: فلأنه لا يبقى فرق بين الإنسان وبين البهائم في عدم اختصاص الذكور بالإناث.
سابعاً- تحريم القتل: وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ ... هذا هو ثاني الأمور المنهي عنها، وسابع أحكام المجتمع، وناسب ذكره بعد الزنى لأن الزنى يؤدي إلى عدم وجود الإنسان، ويقلل من النسل البشري، أما القتل فيهدم وجود الإنسان، وهو إعدام الناس بعد وجودهم، وهو حرام لكونه اعتداء على خلق اللّه، وهدم له لأن الإنسان ليس ملكا لنفسه، إنما هو ملك لخالقه، وثروة لمجتمعه ودولته، ولذلك حرّم الانتحار وحرّم قتل النفس إلا بالحق، فمن قتل نفسه فهو آثم معتد، ومن قتل غيره فهو أيضا معتد أثيم.
وبعد أن استثنى اللّه تعالى من تحريم القتل حالة القتل بالحق بقوله: إِلَّا بِالْحَقِّ أثبت الحق في تنفيذ القصاص بإشراف الدولة لولي الدم، مع تقييده بحصر القتل في القاتل نفسه دون غيره، فقال: وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً.. أي ومن قتل ظلما وعدوانا بغير حق يوجب قتله، فقد جعلنا لمن يلي أمره من وارث أو سلطان حاكم عند عدم الوارث سلطة على القاتل ومنحه الخيار بأحد أمرين: إما القصاص منه بعد حكم قضائي وبإشراف القاضي، وإما العفو عنه على الدية أو مجانا كما ثبت في السنة.
وهذا السلطان لولي الدم مقيد بألا يسرف في القتل، أي فلا يسرف الولي في قتل القاتل بأن يمثل به، أو يقتص من غير القاتل، كعادة أهل الجاهلية والجاهلين اليوم الذين يقتلون الجماعة في الواحد تشفيا واستعلاء.
ثامناً: تحريم أكل مال اليتيم: وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ .. بعد أن حرم اللّه تعالى إتلاف الأنفس حرم إتلاف الأموال، والمعنى لا تتصرفوا في مال اليتيم ولا تقربوا منه أكلا وإتلافا إلا بما يحقق الفائدة أو المصلحة الظاهرة لليتيم، وهي الطريقة الحسنى بحفظ ماله وتثميره حتى يبلغ رشيدا، ويبلغ أشده مبلغ الرجال، ويكتمل عقله.
تاسعاً: الوفاء بالعهد: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا: بعد أن أمر اللّه تعالى بخمسة أشياء أولا، ثم نهى عن ثلاثة أشياء (الزنى، والقتل إلا بالحق، وقربان مال اليتيم) أمر بأمرين: أولها- الوفاء بالعهد، والمعنى: أوفوا بالعهد الذي تعاهدون عليه الناس، وبالعقود التي تعاملونهم بها، فإن العهد والعقد، كل منهما يسأل صاحبه عنه، والوفاء بالعهد أو بالعقد: تنفيذ مقتضاه، والحفاظ عليه على الوجه الشرعي، وعلى وفق التراضي الذي لا يصادم الشرع.
عاشراً: إيفاء الكيل والوزن بالعدل: وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ، وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ ... هذا هو الأمر الثاني من الأوامر، وهو إتمام الكيل وإتمام الوزن، أي أتموا الكيل من غير تطفيف ونقص، وأتموا الوزن بالعدل دون جور أو حيف.
حادي عشر: النهي عن التخمين وسوء الظن: وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ..
القول بالحدس والتخمين وسوء الظن، عيب في السلوك، وتشوية للحقائق، وطعن في الآخرين بغير حق. والمعنى: ولا تتبع ولا تقتف مالا علم لك به من قول أو فعل، والمقصود النهي عن الحكم على الأشياء بما لا يكون معلوما علما صحيحا، ولا دليل عليه.
ثاني عشر: تحريم التكبر والخيلاء: وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً ... ،
تحريم الكبر والتجبر والتبختر في المشية، والمعنى: ولا تمش في الأرض مرحا أي متبخترا متمايلا مشي الجبارين، فذلك المشي يدل على الكبرياء والعظمة، إنك لن تخرق الأرض أي تنقبها أو تقطعها بمشيك إذا سرت عليها، ولن تبلغ الجبال طولا، أي لن تصل بتطاولك وتمايلك وفخرك وإعجابك بنفسك إلى قمم الجبال، وهذا تهكم بالمتكبر والمختال. بل قد يجازى فاعل ذلك بنقيض قصده.
خاتمة معبرة:
كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً كل ما تقدم من الخصال القبيحة المفهومة من الأوامر والنواهي، من قوله: وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ إلى هنا، كان سيئه أي قبيحه مكروها عند ربك، أي مبغوضا عنده، ومنهيا عنه، ومعاقبا عليه.

خامساً: الأحكام:
يفهم مما ذكر أن الآيات ترشد إلى الأحكام الآتية:
·       التوحيد أساس الإيمان، والإشراك رأس الكفر والضلال.
·       الإحسان إلى الوالدين فرض لازم واجب، وقد أمر اللّه سبحانه بعبادته وتوحيده، وجعل بر الوالدين مقرونا بذلك، كما قرن شكرهما بشكره
·       من البرّ بالأبوين والإحسان إليهما ألا يتعرض لسبّهما ولا لعقوقهما فإن ذلك من الكبائر بلا خلاف.
·       عقوق الوالدين: مخالفتهما في أغراضهما الجائزة لهما، كما أن برّهما موافقتهما على أغراضهما، فتجب طاعتهما في المباح المعروف غير المعصية، ولا تجب طاعتهما في المعصية.
·       لا يختص برّ الوالدين بأن يكونا مسلمين، بل يجب برهما ولو كانا كافرين، ويحسن إليهما إذا كان لهما عهد.
·       هناك رقابة خاصة من اللّه تعالى على معاملة الأبوين لقوله سبحانه: رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ أي من اعتقاد الرحمة بهما والحنو عليهما، أو من غير ذلك من العقوق.
·       وكما أمر اللّه بالإحسان إلى الوالدين ومراعاة حقهما، أمر أيضا بصلة الرحم، وبالتصدق على المسكين وابن السبيل.
·       يحرّم الإسلام التبذير.
·       الأدب الرفيع هو رد ذوي القربى بلطف ووعدهم وعدا جميلا بالصلة عند اليسر، والاعتذار إليهم بما هو مقبول وفيه تطييب الخاطر، ولا يعرض الشخص عنهم إعراض مستهين، وهو في حال الغنى والقدرة، فيحرمهم حقهم لقوله تعالى: وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ أي إن أعرضت يا محمد عن إعطائهم لضيق يد، فأحسن القول، وادع لهم بسعة الرزق.
·       الإنفاق في الإسلام: هو التوسط والاعتدال من غير بخل ولا إسراف، ولا تضييع المنفق عياله في المستقبل، أو ألا يبقى من يأتي بعد ذلك لا شيء له، فإن الإسراف وإتلاف المال بغير حق يوقع المسرف في الحسرة والندامة والملامة.
·       إن اللّه أعلم بمصالح عباده وبأحوالهم، فيرزق من يشاء، ويمنع من يشاء على وفق الحكمة والمصلحة.
·       تحريم وأد البنات خشية الفقر أو العار أو غير ذلك مطلقا.
·       تحريم الاقتراب من الزنى ودواعيه وأسبابه التي تؤدي إليه عادة.
·       تحريم قتل النفس بغير حق شرعي. وللولي الوارث سلطة استيفاء القصاص من القاتل وحده دون غيره، بغير تمثيل ولا قتل غير القاتل، فأيها كان فهو نصر من اللّه سبحانه وتعالى.
·       تحريم قربان مال اليتيم إلا بالطريقة الحسنى للحفاظ عليه وتحقيق مصلحته الظاهرة، إلى أن يبلغ رشده.
·       وجوب الوفاء بالعهد فالإنسان مسئول عنه.
·       إيفاء الكيل وإتمام الوزن بالحق والعدل دون بخس ولا زيادة ولا نقص.
·       عدم اتباع ما لا يعلم به الإنسان ولا يعنيه.
·       النهي عن الخيلاء وتحريمه، والأمر بالتواضع والحض عليه.
·       هذه الآداب والقصص والأحكام التي تضمنتها الآيات المتقدمة التي نزل بها جبريل تقتضيها حكمة اللّه عز وجل في عباده، وخلقها لهم من محاسن الأخلاق والحكمة وقوانين المعاني المحكمة والأفعال الفاضلة.




****************************************************

ثانياً: سورة لقمان 12-19

لقمان الحكيم ووصيته لابنه

قال الله تعالى: "وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (12) وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15) يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16) يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19)"

أولاً: المفردات اللغوية:

الكلمة
المعنى
"وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (12)
أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ
أي اشكر ما أعطاك من الحكمة
غَنِيٌّ
عن خلقه
حَمِيدٌ
حقيق بالحمد
وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13)
وَهُوَ يَعِظُهُ
العظة: تذكير بالخير بأسلوب رقيق يرقّ له القلب
إِنَّ الشِّرْكَ باللّه لَظُلْمٌ عَظِيمٌ
الظلم: وضع الشيء في غير موضعه.
وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14)
وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ
أي أمرناه بأن يبرهما
وَهْناً عَلى وَهْنٍ
أي ضعفا فوق ضعف، من الحمل، فالولادة
وَفِصالُهُ
أي فطامه
الْمَصِيرُ
المرجع
وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15)
مَعْرُوفاً
أي بالمعروف وهو البر والصلة.
وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ
أي اتبع في الدين طريق من رجع إلي بالتوحيد والإخلاص في الطاعة.
أَنابَ
رجع إلى ربه بالتوبة والاستغفار
يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16)
مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ
وزن حبة خردل
خَبِيرٌ
بمكانها
يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17)
وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ
من الشدائد
وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ (18)
وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ
لا تمله عنهم ولا تولّهم صفحة وجهك، كما يفعل المتكبرون.
مَرَحاً
خيلاء وبطرا
وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19)"
وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ
توسط فيه غير مختال وغير مسرع ولا مبطئ
وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ
أي أنقص منه أو اخفض
إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ
أي أقبحها وأزعجها.

ثانياً: الإعراب:......
ثالثاً: البلاغة:
ü    يَشْكُرْ وكَفَرَ: بينهما طباق.
ü    حَمِيدٌ لَطِيفٌ خَبِيرٌ فَخُورٍ: صيغة مبالغة على وزن فعيل وفعول،
ü    إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ: شبه الرافعين أصواتهم برفع الحمير أصواتهم؛ وذلك بهدف الذم والتنفير عن رفع الصوت.

رابعاً: التفسير والبيان:

وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (12)

لقد أعطينا لقمان الحكمة وهي التوفيق إلى العمل، ومن يشكر اللّه على ما منحه وأعطاه ربه، فيطيعه ويؤدي فرضه، فإنما يحقق النفع والثواب لنفسه، وينقذها من العذاب، ومن جحد نعمة اللّه عليه، فأشرك به غيره، وعصى أوامره، فإنه يسيء إلى نفسه، ولا يضر ربّه، فإن اللّه غني عن العباد وشكرهم.

وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13)

قال لقمان لابنه: يا ولدي، اعبد اللّه ولا تشرك به شيئا، فإن الشرك أعظم الظلم.

وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14)

ثم أمر اللّه تعالى ببرّ الوالدين، لأنهما سبب وجودك.

وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15)


قيّد اللّه طاعة الأبوين مستثنيا حقوقه تعالى، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولا يمنعك عدم طاعتك لأبويك في الشرك والمعصية من أن تصاحبهما في الدنيا بالمعروف، بأن تحسن إليهما، وتعالجهما عند المرض، وتبرّ صديقهما.
يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16)
المقصود من الآية بيان سعة علم اللّه، فهو يعلم الغيب والشهادة، ويطلع على جميع أعمال عباده، لموافاتهم بجزائها يوم القيامة.

يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17)

أمره بصالح الأعمال اللازمة للتوحيد وهي الصلاة أي العبادة لوجه اللّه مخلصا، والنهي عن المنكر، أي منع النفس والآخرين من المعاصي والمنكرات المحرّمة شرعا، والصبر على الأذى والشدائد والأوامر الإلهية.


وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ (18)

لا تتكبر فتحتقر عباد اللّه، بل كن متواضعا سهلا هينا لينا، ولا تسر في الأرض مختالا، فإن تلك المشية يبغضها، واللّه يكره كل مختال معجب في نفسه، فخور على غيره.

وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19)"

أي امش مشيا متوسطا عدلا، ليس بالبطيء، ولا بالسريع، ولا ترفع صوتك فيما لا فائدة فيه، وقد علل النهى عن رفع الصوت بأنه يشبه صوت الحمير في علوه ورفعه، وإن أقبح الأصوات لصوت الحمير، وهو بغيض إلى اللّه تعالى.

خامساً: الأحكام:
أرشدت الآيات إلى ما يأتي:
·       إن الشرك باللّه أو اتخاذ عبد من عباده أو صنم من الأصنام شريكا في العبادة مع اللّه ظلم عظيم.
·       برّ الوالدين وطاعتهما في معروف غير معصية فرض واجب على الإنسان.
·       الشكر للّه على نعمة الإيمان وغيرها من النعم الكثيرة التي لا تعدّ ولا تحصى.
·        تعظيم الطاعات وهي الصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا يشمل جميع الطاعات والفضائل.
·       الصبر مندوب إليه عند التعرض لشدائد الدنيا كالأمراض وغيرها.
·       يحرم على الإنسان أن يمشي في الأرض متكبرا.
·       يندب للإنسان القصد أي التوسط في المشي، وهو ما بين الإسراع والبطء.
·       كما يندب إليه عدم التكلف في رفع الصوت، والتكلم حسب الحاجة والمعتاد.
·        فإن الجهر بأكثر من الحاجة تكلّف يؤذي، والمراد بذلك كله التواضع.


****************************************************************************************

No comments:

Post a Comment

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...